في ذكر بعض الطرق إلى الله تعالى
صفحة 1 من اصل 1
في ذكر بعض الطرق إلى الله تعالى
.الباب الرابع
في ذكر بعض الطرق إلى الله تعالى
اعلم أنّ الطرق إلى الله بعدد أنفاس الخلائق (1) ......
--------------------------------------------------------------------------------
(1) هذه من الحقائق التي تزيد العبد بصيرة في سيره إلى الله تعالى ، فليست هنالك معادلة ثابتة في جزئيات السير اليه ، فلكل زمان ، ومكان ، وفرد ، وظرف، موجباته وموانعه ..فلذلك تعددت السبل ، وإن اتحد الصراط ، فجمع الأول وافرد الثاني في القرآن .. ومن هنا لا ينبغي التأسي بخصوصيات السالك الفردية - وإن كان واصلاً - لأن لكل فردٍ ظرفه وتكليفه.. ومعرفة السبيل الأنسب من بين السبل ، شاغل لبال السالكين جميعا.. فليست هناك مشكلة في الحكم الشرعي الالزامي لإمكان معرفة ذلك من خلال ما ورد في الفقه ، وإنما المشكلة كامنة في الاحداث والوقائع الشخصية التي لا دور للفقه فيها كموارد تزاحم الأهم والمهم ، وهنا يحتاج السالك إلى بصيرة نافذه في معرفة السبيل الأقوم في مقابل السبل المستقيمة الأخرى ، وهي إما أن تحصل بالإلقاء في الروع والاحساس اليقيني بذلك ، أو بالتسديد القهري بوضعه على الطريق ولو مع عدم الاحساس بذلك ، او عن طريق اشارات اهل المعرفة الذين فتحت لهم الأبواب ، فناجاهم الله في فكرهم ، وكلمهم في ذات عقولهم فاستصحبوا بنور يقطة في الاسماع والابصار والافئدة (النهج ج2 ص 211). وقد قال النبي (ص) اتقوا فراسة المؤمن فانه ينظر بنور الله (بصائر الدرجات) – ص 375 .( المحقق )
--------------------------------------------------------------------------------
.......فلكل أحد من الخلق طرق إلى الله بعدد أنفاس كل الخلائق ، والشقي من ضاقت عليه رحمة الله التي وسعت كل شيء.
واعلم أنه لا طريق أنجح من حسن الظن بالله ، فإنه في ظنّ عبده المؤمن ، إن خيراً فخير ، وإن شراً فشر.
والناس قد عودوا أنفسهم بمقتضى تسويل النفس والشيطان على سوء الظنّ بربهم ، ومسارعة أذهانهم إلى التفاؤل بالسوء واليأس من الفرج بمجرد مشاهدة آثار الابتلاء ، والتخوّف من شدة البلاء ، متيقنين في ذلك ، فيقعون فيما فرّوا منه ، ويجري عليهم ما تفاءلوا به من البلاء، فإنه والعياذ بالله نوع من سوء الظنّ.
وقد عرفت أنه بسوء الظنّ يتأهل العبد لأن يعامل بسوء ظنه ، إلا أن يعفوالله سبحانه.
والنبي (ص) كــان يحب التفاؤل بالخير ، ويكــره الطِّيــرة. [ البحار :92/2 ] ..
والطِّيرة على حسب ما يراها صاحبها ، إن رآها شديدة كانت شديدة ، وإن رآهـا خفيفة كانت خفيفة ، وإن لم يـرها شيئاً لـم تك شيئاً . [ روضة الكافي :197] ، كذا في خبر في (روضة الكافي).
فيجب على المؤمن المقتفي آثار أهل البيت ، أن يعوّد نفسه على حسن ظنّه بربه ، فيرجو من الله بالقليل الكثير ، فهو سبحانه الذي يُعطي الكثير بالقليل ، وكلما تؤمله منه وتظنّه به سبحانه وتعالى من أصناف الخير وكرمه فوق ذلك ، وظنّك له نهاية ، وكرمه سبحانه لا نهاية له ، وهو سبحانه قد أخبرك بأنه في ظنّك الحسن ، وعند ظنّك الحسن ، وقد قال مولانا أمير المؤمنين (ع): من ظنّ بك خيراً فصدِّق ظنَّه. البحار : 74/212
فإذا كان حكمه على عباده ، الجاري على لسان أوليائه ، أن يصدقوا ظنّ من ظنّ بهم خيراً ويحققوا ظنّه ، فهو سبحانه عزّ وجلّ أولى بذلك.
بل يستفاد من الأخبار وتتبع الآثار ، أن كل من يحسن الظنّ بشيء يصدق الله ظنّه ، ويجري له الأمر على وفق ظنّه الحسن ، وكأنه من أفراد حسن الظنّ بالله ، إذ معنى ظنّ الخير بهذا الشخص يرجع إلى الظنّ بأن الله أودع فيه ذلك الخير للمقدمة المطوية المعلومة من أن كل خير من الله ، فالله سبحانه يصدق هذا الظنّ.
وقد جاء خبر صريح بأن من ظنّ بحجرٍ خيراً جعل الله فيه سرّاً ، فقال له الراوي: بحجر!.. فقال له الإمام (ع): أو ما ترى الحجر الأسود(2).
--------------------------------------------------------------------------------
(2) لم ار الحديث في المصادر التي كانت متاحة لدي .. والرواية على فرض الصدور ، تريد أن تشير إلى أن عناصر هذا الوجود كلها قابلة لتلقي الفيض الخاص من المولى.. فان الموجودات وان كانت متساوية المثول بين يديه ، إلا أن المبدع لها - ولأمور لا يعلمها إلا هو - يختص بعضها بلطفه كالبقاع الشريفة ، والازمنة المباركة ، فتتحول بعد التشريف الانتسابي إلى شأن من شؤونه ، فتتميز في خواصها واثارها عما يشابهها من الموجودات .. فهذا قميص يوسف يلقى على وجه ابيه فيرتد بصيرا .. وهذا التابوت فيه سكينة من ربهم .. وهذه قبضة من اثر الرسول تعمل الأعاجيب .. وهذا الحجر الأسود – كما في الرواية – جعلها الله تعالى يمينه في الأرض .. هذا كله في عالم الجمادات ، فكيف اذا تحقق الأمر في عالم الناطقات ، وهي النفوس التي استسلمت لربها عن رضىً واختيار كنفوس المعصومين (ع)؟!..( المحقق )
--------------------------------------------------------------------------------
فيستفاد من هذا أنّ الله سبحانه وتعالى ، يصدق الظنون الحسنة من المؤمنين من بعضهم في بعض ، ويحقق لهم ذلك.
ومن ذلك تصديق شهادة من يشهدون للميت بأنهم لا يعلمون منه إلا خيرا ً، للتنبيه على حسن الظنّ ، بل على عدم العلم بغير الحسن.. وقد ورد الحديث بأن الله يجيز شهادتهم ، ويغفر لهم وله ما يعلم لما لا يعلمون.
فمقتضى حسن الظنّ أن يجريه الله للظانّ ولمن ظنّ به الخير ، إلا أن يمنع مانع قوي من جريانه في من ظنّ به ، فيجريه الله للظانّ.
كما في بعض الأخبار أنّ الرجل قد يكرم رجلاً على أنه من أهل الخير ، فيدخله الله بذلك الجنة ، وإن كان في علم الله أن ذلك المكرم من أهل النار ، فهذا مما منع فيه المانع القوي من إجراء الظنّ في من ظنّ به فأجري للظانّ.
والحاصل أنّ من امتثل ما أمر به من حسن الظنّ لإخوانه المؤمنين لا يخيب ، إذ هو إما أن يصدق ظنّـه ويقلب الأمر على وفق ظنّه برحمة الله ، أو يجري له ظنّه في حقه ، ولا يضرّه تخلّف ذلك في المظنون به الخير.
وهذا باب عظيم في حسن الظنّ بالمؤمنين ، ولعله على هذا ابتني الأمر في قبول صلاة الجماعة ، فإنّ المأمومين أحسنوا الظنّ بالإمام ، وجعلوه واسطة بينهم وبين الله في قبول صلواتهم ، فأعطاهم الله ذلك فقبل صلاة الجميع بحسن الظنّ به.
إلى غير ذلك من موارد حسن الظنّ ، كالذي يشرب من سؤر المؤمن تبركاً به ، وكماء زمزم فإنه لِمَا شُرب له ، قال الشهيدان: وقد شربه جملة من الأكابر لمقاصد دينية ودنيوية فنالوها . شرح اللمعة الدمشقية:2/329
فلا تغفل عن أخذ حظك من حسن الظنّ.
وقد ورد في الدعاء جعله من أفضل الأرزاق التي تطلب ، فقال: اللهم ارزقني اليقين ، وحسن الظنّ بك. البحار:95/95..
وقد ورد في الحديث ما هو أبلغ من ذلك ، وهو أنّ الله يجيز دعوى حسن الظنّ وإن كانت كاذبة.
فعن الصادق (ع) قال: إذا كان يوم القيامة جيء بعبدٍ فيؤمر به إلى النار فيلتفت ، فيقول الله سبحانه وتعالى: ردّوه.
فلما أتى به قال له: عبدي لِمَ التفتّ إليّ؟..
فيقول: يا رب ما كان ظنّي بك هذا!..
فيقول الله جلّ جلاله: فما كان ظنّك؟..
فيقول: يار رب !.. كان ظنّي بك أن تغفر لي وتسكنني برحمتك جنتك.
قال: فيقول الله جلّ جلاله: يا ملائكتي ، وعزتي وجلالي ، وآلائي وبلائي ، وارتفاعي في مكاني ، ما ظن بي هذا ساعة من خير قط ، ولو ظنّ بي ساعة من خير ما روّعته بالنار ، أجيزوا له كذبه وأدخلوه الجنة. انتهى الحديث . الجواهر السنية:270(3)
--------------------------------------------------------------------------------
(3) ان هذه الرواية من الروايات التي تبعث الامل الكبير في النفوس .. فانظر الى هذه الرحمة المستغرقة لادنى القابليات التي تدعى حسن الظن إدعاءً ، فكيف بمن يدعيه صدقا؟!.. وكيف بمن يمارسه تطبيقا في الحياة الدنيا؟!.. ونرجع فنقول : كَم مِنَ الذين يلتفتون إلى مثل مقالة ذلك العبد يوم القيامة ؟ ..ولو التفت اليها جميع أهل المحشر لنجوا بذلك !.. ولكنه تعالى هو الذي يلقن العبد حجته يوم لقائه ، لما رأي منه في دار الدنيا ما يوجب له هذا اللطف في ذلك اليوم العصيب.(المحقق )
--------------------------------------------------------------------------------
فتأمّل فيه ترى ما لا يوصف ، وبهذا الحديث الشريف وملاحظة أمثاله من مظان المواهب الإلهية ، والنفحات الربانية ، يتقوّى جانب من أن يكون ما عندنا من الظنون الحسنة ، والآمال بمواهب ذي الجلال ، مندرجة تحت حسن الظن بالله ، إذ هي إن لم تكن منه فلا أقلّ من أن تكون من أفراده الادعائية ، وقد عرفت إنه بكرمه يجيزها ويعاملها معاملة الأفراد الحقيقية ، وحكمه في الدارين واحد {>ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت} . سورة الملك/3
في ذكر بعض الطرق إلى الله تعالى
اعلم أنّ الطرق إلى الله بعدد أنفاس الخلائق (1) ......
--------------------------------------------------------------------------------
(1) هذه من الحقائق التي تزيد العبد بصيرة في سيره إلى الله تعالى ، فليست هنالك معادلة ثابتة في جزئيات السير اليه ، فلكل زمان ، ومكان ، وفرد ، وظرف، موجباته وموانعه ..فلذلك تعددت السبل ، وإن اتحد الصراط ، فجمع الأول وافرد الثاني في القرآن .. ومن هنا لا ينبغي التأسي بخصوصيات السالك الفردية - وإن كان واصلاً - لأن لكل فردٍ ظرفه وتكليفه.. ومعرفة السبيل الأنسب من بين السبل ، شاغل لبال السالكين جميعا.. فليست هناك مشكلة في الحكم الشرعي الالزامي لإمكان معرفة ذلك من خلال ما ورد في الفقه ، وإنما المشكلة كامنة في الاحداث والوقائع الشخصية التي لا دور للفقه فيها كموارد تزاحم الأهم والمهم ، وهنا يحتاج السالك إلى بصيرة نافذه في معرفة السبيل الأقوم في مقابل السبل المستقيمة الأخرى ، وهي إما أن تحصل بالإلقاء في الروع والاحساس اليقيني بذلك ، أو بالتسديد القهري بوضعه على الطريق ولو مع عدم الاحساس بذلك ، او عن طريق اشارات اهل المعرفة الذين فتحت لهم الأبواب ، فناجاهم الله في فكرهم ، وكلمهم في ذات عقولهم فاستصحبوا بنور يقطة في الاسماع والابصار والافئدة (النهج ج2 ص 211). وقد قال النبي (ص) اتقوا فراسة المؤمن فانه ينظر بنور الله (بصائر الدرجات) – ص 375 .( المحقق )
--------------------------------------------------------------------------------
.......فلكل أحد من الخلق طرق إلى الله بعدد أنفاس كل الخلائق ، والشقي من ضاقت عليه رحمة الله التي وسعت كل شيء.
واعلم أنه لا طريق أنجح من حسن الظن بالله ، فإنه في ظنّ عبده المؤمن ، إن خيراً فخير ، وإن شراً فشر.
والناس قد عودوا أنفسهم بمقتضى تسويل النفس والشيطان على سوء الظنّ بربهم ، ومسارعة أذهانهم إلى التفاؤل بالسوء واليأس من الفرج بمجرد مشاهدة آثار الابتلاء ، والتخوّف من شدة البلاء ، متيقنين في ذلك ، فيقعون فيما فرّوا منه ، ويجري عليهم ما تفاءلوا به من البلاء، فإنه والعياذ بالله نوع من سوء الظنّ.
وقد عرفت أنه بسوء الظنّ يتأهل العبد لأن يعامل بسوء ظنه ، إلا أن يعفوالله سبحانه.
والنبي (ص) كــان يحب التفاؤل بالخير ، ويكــره الطِّيــرة. [ البحار :92/2 ] ..
والطِّيرة على حسب ما يراها صاحبها ، إن رآها شديدة كانت شديدة ، وإن رآهـا خفيفة كانت خفيفة ، وإن لم يـرها شيئاً لـم تك شيئاً . [ روضة الكافي :197] ، كذا في خبر في (روضة الكافي).
فيجب على المؤمن المقتفي آثار أهل البيت ، أن يعوّد نفسه على حسن ظنّه بربه ، فيرجو من الله بالقليل الكثير ، فهو سبحانه الذي يُعطي الكثير بالقليل ، وكلما تؤمله منه وتظنّه به سبحانه وتعالى من أصناف الخير وكرمه فوق ذلك ، وظنّك له نهاية ، وكرمه سبحانه لا نهاية له ، وهو سبحانه قد أخبرك بأنه في ظنّك الحسن ، وعند ظنّك الحسن ، وقد قال مولانا أمير المؤمنين (ع): من ظنّ بك خيراً فصدِّق ظنَّه. البحار : 74/212
فإذا كان حكمه على عباده ، الجاري على لسان أوليائه ، أن يصدقوا ظنّ من ظنّ بهم خيراً ويحققوا ظنّه ، فهو سبحانه عزّ وجلّ أولى بذلك.
بل يستفاد من الأخبار وتتبع الآثار ، أن كل من يحسن الظنّ بشيء يصدق الله ظنّه ، ويجري له الأمر على وفق ظنّه الحسن ، وكأنه من أفراد حسن الظنّ بالله ، إذ معنى ظنّ الخير بهذا الشخص يرجع إلى الظنّ بأن الله أودع فيه ذلك الخير للمقدمة المطوية المعلومة من أن كل خير من الله ، فالله سبحانه يصدق هذا الظنّ.
وقد جاء خبر صريح بأن من ظنّ بحجرٍ خيراً جعل الله فيه سرّاً ، فقال له الراوي: بحجر!.. فقال له الإمام (ع): أو ما ترى الحجر الأسود(2).
--------------------------------------------------------------------------------
(2) لم ار الحديث في المصادر التي كانت متاحة لدي .. والرواية على فرض الصدور ، تريد أن تشير إلى أن عناصر هذا الوجود كلها قابلة لتلقي الفيض الخاص من المولى.. فان الموجودات وان كانت متساوية المثول بين يديه ، إلا أن المبدع لها - ولأمور لا يعلمها إلا هو - يختص بعضها بلطفه كالبقاع الشريفة ، والازمنة المباركة ، فتتحول بعد التشريف الانتسابي إلى شأن من شؤونه ، فتتميز في خواصها واثارها عما يشابهها من الموجودات .. فهذا قميص يوسف يلقى على وجه ابيه فيرتد بصيرا .. وهذا التابوت فيه سكينة من ربهم .. وهذه قبضة من اثر الرسول تعمل الأعاجيب .. وهذا الحجر الأسود – كما في الرواية – جعلها الله تعالى يمينه في الأرض .. هذا كله في عالم الجمادات ، فكيف اذا تحقق الأمر في عالم الناطقات ، وهي النفوس التي استسلمت لربها عن رضىً واختيار كنفوس المعصومين (ع)؟!..( المحقق )
--------------------------------------------------------------------------------
فيستفاد من هذا أنّ الله سبحانه وتعالى ، يصدق الظنون الحسنة من المؤمنين من بعضهم في بعض ، ويحقق لهم ذلك.
ومن ذلك تصديق شهادة من يشهدون للميت بأنهم لا يعلمون منه إلا خيرا ً، للتنبيه على حسن الظنّ ، بل على عدم العلم بغير الحسن.. وقد ورد الحديث بأن الله يجيز شهادتهم ، ويغفر لهم وله ما يعلم لما لا يعلمون.
فمقتضى حسن الظنّ أن يجريه الله للظانّ ولمن ظنّ به الخير ، إلا أن يمنع مانع قوي من جريانه في من ظنّ به ، فيجريه الله للظانّ.
كما في بعض الأخبار أنّ الرجل قد يكرم رجلاً على أنه من أهل الخير ، فيدخله الله بذلك الجنة ، وإن كان في علم الله أن ذلك المكرم من أهل النار ، فهذا مما منع فيه المانع القوي من إجراء الظنّ في من ظنّ به فأجري للظانّ.
والحاصل أنّ من امتثل ما أمر به من حسن الظنّ لإخوانه المؤمنين لا يخيب ، إذ هو إما أن يصدق ظنّـه ويقلب الأمر على وفق ظنّه برحمة الله ، أو يجري له ظنّه في حقه ، ولا يضرّه تخلّف ذلك في المظنون به الخير.
وهذا باب عظيم في حسن الظنّ بالمؤمنين ، ولعله على هذا ابتني الأمر في قبول صلاة الجماعة ، فإنّ المأمومين أحسنوا الظنّ بالإمام ، وجعلوه واسطة بينهم وبين الله في قبول صلواتهم ، فأعطاهم الله ذلك فقبل صلاة الجميع بحسن الظنّ به.
إلى غير ذلك من موارد حسن الظنّ ، كالذي يشرب من سؤر المؤمن تبركاً به ، وكماء زمزم فإنه لِمَا شُرب له ، قال الشهيدان: وقد شربه جملة من الأكابر لمقاصد دينية ودنيوية فنالوها . شرح اللمعة الدمشقية:2/329
فلا تغفل عن أخذ حظك من حسن الظنّ.
وقد ورد في الدعاء جعله من أفضل الأرزاق التي تطلب ، فقال: اللهم ارزقني اليقين ، وحسن الظنّ بك. البحار:95/95..
وقد ورد في الحديث ما هو أبلغ من ذلك ، وهو أنّ الله يجيز دعوى حسن الظنّ وإن كانت كاذبة.
فعن الصادق (ع) قال: إذا كان يوم القيامة جيء بعبدٍ فيؤمر به إلى النار فيلتفت ، فيقول الله سبحانه وتعالى: ردّوه.
فلما أتى به قال له: عبدي لِمَ التفتّ إليّ؟..
فيقول: يا رب ما كان ظنّي بك هذا!..
فيقول الله جلّ جلاله: فما كان ظنّك؟..
فيقول: يار رب !.. كان ظنّي بك أن تغفر لي وتسكنني برحمتك جنتك.
قال: فيقول الله جلّ جلاله: يا ملائكتي ، وعزتي وجلالي ، وآلائي وبلائي ، وارتفاعي في مكاني ، ما ظن بي هذا ساعة من خير قط ، ولو ظنّ بي ساعة من خير ما روّعته بالنار ، أجيزوا له كذبه وأدخلوه الجنة. انتهى الحديث . الجواهر السنية:270(3)
--------------------------------------------------------------------------------
(3) ان هذه الرواية من الروايات التي تبعث الامل الكبير في النفوس .. فانظر الى هذه الرحمة المستغرقة لادنى القابليات التي تدعى حسن الظن إدعاءً ، فكيف بمن يدعيه صدقا؟!.. وكيف بمن يمارسه تطبيقا في الحياة الدنيا؟!.. ونرجع فنقول : كَم مِنَ الذين يلتفتون إلى مثل مقالة ذلك العبد يوم القيامة ؟ ..ولو التفت اليها جميع أهل المحشر لنجوا بذلك !.. ولكنه تعالى هو الذي يلقن العبد حجته يوم لقائه ، لما رأي منه في دار الدنيا ما يوجب له هذا اللطف في ذلك اليوم العصيب.(المحقق )
--------------------------------------------------------------------------------
فتأمّل فيه ترى ما لا يوصف ، وبهذا الحديث الشريف وملاحظة أمثاله من مظان المواهب الإلهية ، والنفحات الربانية ، يتقوّى جانب من أن يكون ما عندنا من الظنون الحسنة ، والآمال بمواهب ذي الجلال ، مندرجة تحت حسن الظن بالله ، إذ هي إن لم تكن منه فلا أقلّ من أن تكون من أفراده الادعائية ، وقد عرفت إنه بكرمه يجيزها ويعاملها معاملة الأفراد الحقيقية ، وحكمه في الدارين واحد {>ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت} . سورة الملك/3
مواضيع مماثلة
» ادب رسول الله صلى الله عليه وسلم مع اطفال
» عبد الله بن المبارك
» في بيان أن الله خلقنا للسعادة الدائمة
» قصة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم
» وكيف يسلك عباد الله الطريق إليه
» عبد الله بن المبارك
» في بيان أن الله خلقنا للسعادة الدائمة
» قصة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم
» وكيف يسلك عباد الله الطريق إليه
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى