في إيضاح عجز الإنسان من حيث هو
صفحة 1 من اصل 1
في إيضاح عجز الإنسان من حيث هو
أيها الأخ الغافل عن إصلاح نفسه ، والمتغافل عن حقيقة أمره !.. إنّ لك أيّها المسكين جهتين واعتبارين :
أحدهما من حيث نفسك وذاتك ، ومن حيث أنت أنت ، وإلى هذه الجهة غالب نظرك وملاحظتك ، وأنت من هذه الجهة فانٍ مضمحل زائل لا قدر لك ولا قيمة ولا اعتداد بك ، ولا مبالاة بك ولا احتفال ، بل لست شيئاً مذكوراً.
والجهة الثانية لك من حيث أنك متعلّق القدرة الإلهية ، ومظهر العظمة الربانية ، ومخلوق لهذا الخالق العظيم الشأن عزَّ وجل َّ، وبهذه الجهة صرت مرتبطاً بكل العالم من العرش إلى الثرى ، ومن السماء السابعة العليا إلى الأرض السابعة السفلى ، فضلاً عما بين المشرق والمغرب ، وجميع من في أقطار الأرض.
فإن أنت فعلت بنفسك خيراً أثّرت في جميع العالم خيراً ، وبالعكس (1) فإن أشكل عليك.....
--------------------------------------------------------------------------------
(1) هذه العبارة على إيجازها ، تكشف السرّ عن حقيقة تأثير بعض الأولياء في الأمور بإذن الله تعالى ، بما لا يمكن إنكاره لكثرة وقوعه وتواتر نقله قديماً وحديثاً .. فإنّ العبد إذا صار محبوباً لمولاه فإنّ شؤون ذلك العبد كلها محبوبة لديه ومنها إرادته للشيء ودعاؤه ، فإنّ الله تعالى - لشدة حبّه له - يجعل إرادته الربوبية مطابقة لإرادة عبده المستوجبة للإجابة لو خلى الأمر من الموانع .. ومن هنا جعل الله تعالى الإحياء - وهو من أعجب الأمور - منتسباً إلى المسيح بإذنه ، وهذه هي المعادلة التي ترفع الاستغراب عما يقع من خرق العادة في جميع الموارد التي صح فيها النقل.. ( المحقق )
--------------------------------------------------------------------------------
.....ذلك ، فإنّ لك مثالاً تحت العرش يعمل مثل ما تعمل ، فإن عملت قبيحاً ألقى الله على مثالك ستراً وغطاه ، لئلا تفتضح عند أهل العرش.
وإن عملت حسناً أظهره الله لهم وهو معنى قوله: يا من أظهر الجميل وستر القبيح على ما رواه شيخنا البهائي في مفتاحه عن الصادق (ع) أنه قال:
ما من مؤمن إلا وله مثال في العرش ، فإذا اشتغل بالركوع والسجود ونحوهما فعل مثاله مثل فعله ، فعند ذلك تراه الملائكة فيصلون ويستغفرون له ، وإذا اشتغل العبد بمعصية أرخى الله على مثاله ستراً لئلا تطلع الملائكة عليها . مفتاح الفلاح : 156
وكذلك لا شك أن أعمالك كل يوم ، وكل صباح ، وكل مساء ، تعرض على النبي صلى الله عليه وآله ، وعلى الأئمة (ع) ، خصوصا صاحب العصر - عجّل الله فرجه - ولي الأمر.
فما كان منها حسنا سرّهم ، حتى قال أحدهم: والله لرسول الله (ص) أسرّ بالحاجة يقضيها المؤمن لأخيه من صاحب الحاجة . الكافي : 2/156
ولا شكّ أنّ النبي (ص) ، وأهل بيته أقطاب العالم وأركانه ، والعالم كله رعية ، من الملائكة وغيرهم ، فمن أدخل السرور على سلطان العالم فقد أثر في الرعية كلها سروراً ، تبعاً لسرور الملك والسلطان ، فيضجّ العالم بالدعاء لهذا العبد المحسن: سرّك الله كما سررتنا.
وإن أساء أساء النبي صلى الله عليه وآله وأهل بيته ، ولذا تجف الأشجار ، وتفسد الثمار ، وتقلّ الأمطار ، وتغلى الأسعار.
وقد بان لك أيها المسكين !.. تأثير طاعتك ومعصيتك في كل العالم ، فضلاً عن خصوص الملائكة الموكلين بك ، وفضلاً عما تقدمت الإشارة إليه من تأثير الطاعة والمعصية في الأعقاب ، وفي أعقاب الأعقاب ، ومن وصول النفع لكل المؤمنين ممن مضى وممن بقي ممن يقول:
اللهم !.. اغفر للمؤمنين والمؤمنات حتى ورد: أن جميع المؤمنين والمؤمنات يشفعون لمن يقول ذلك ويقولون: هذا الذي كان يستغفر لنا . الوسائل : 4/151
ورد في الأخبار: أنّ العالم يستغفر له من في السماوات ومن في الأرض حتى الحيتان في البحار . الكافي : 1/34
وقال سبحانه: { الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا } . [ غافر/7 ] .. ولا يخفى أنّ من يكون مجتهدا مشهوراً ينتفع بتقليده من في المشرق ومن في المغرب ، كما ينتفعون بكتبه ومصنفاته ، وسائر أنواع هدايته وإرشاداته في حياته وبعد وفاته.
فإذاً قد ظهر لك سريان تأثيرك في كلّ العالم من الجهة الثانية فيك ، وكونك متعلّق القدرة الإلهية ، ومظهر العظمة ، فكيف يسوغ أيها المسكين فلتك وتغافلك ، ملتفتاً إلى الجهة الأولى التي لست بها شيئاً مذكوراً !..
ولقد صدق مولانا أمير المؤمنين (ع)حيث يقول:
دواؤك فيك ولا تبصـر ----- وداؤك منك ولا تشـعر
اتحسب انك جرم صغير----- وفيك انطوى العالم الاكبر
وانت الكتاب المبين الذي ----- بآياته يظهر المضـمر
ديوان أمير المؤمنين (ع)/175
ولئن أهملت نفسك فما ربك بمهمل لك ، قال الله تعالى :
{ أيحسب الإنسان أن يترك سدى } . القيامة/36
فتيقّظ أيها الغافل !.. والحظْ الجهة الثانية التي صرت بها إنسانا ً، وكذلك سمّاك ربك ، فإن كنت ترى نفسك من أهل الشقاوة ، وعن السعادة نائياً ، فاعلم أيها المسكين أنّ الله يمحو ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب.
واحذر أن تكون شيطاناً في صورة إنسان ، واعلم أنك إن اخترت لنفسك ذلك فقد أضعت توجّه العناية الإلهية إليك ، وأفسدت العالم كله بفسادك ، وكدّرت قلوب الأنبياء والمرسلين ، والملائكة المقربين ، وجميع أهل السموات والأرضين ، وضجّت الأرض إلى الله من مشيك عليها ، والسماء من استظلالك بها.
وورد أن الأرض تضجّ إلى الله من بول الأغلـف أربعين صباحاً [ البحار : 101/110 ] .. وهو فعل مكروه من المكروهات فكيف بك؟..
وبالجملة يا مسكين أنت مبارز لله ، وجميع من هو ملك لله تعالى أعداء لك ، فأين تذهب عن ملكه (2) وجميع مخلوقاته تطلب الاذن منه بالانتقام منك ، فأنّى بمقاومتها....
--------------------------------------------------------------------------------
(2) إنها حقّاً لحقيقة مخيفة وهي ليست من المعاني الإنشائية التخيلية ، إذ أنّ كل ما في الوجود – ما عدا الإنسان – منقادٌ لله تعالى بطبعه ، ومن المعلوم أنّ الشاذ عن حركة الوجود في الطاعة محاربٌ لربّ العالمين ، وهو الذي له جنود السماوات والأرض ، وهل وظيفة الجند إلا امتثال أمر من هم جنودٌ مجندةٌ بين يديه ؟!.. وعليه فإنّ بقاء العاصين في أمنٍ وسلامةٍ ، إنما بتدخلٍ من الربّ الرؤوف في منع جنوده من الانتقام من أعدائه .. وما نار جهنم وإحاطتها بالكافرين إلا صورة من صور جنود الربّ ، إذ أُذن لها في الانتقام ، ومن هنا كان لسان حالها : هل من مزيد ؟!..( المحقق )
--------------------------------------------------------------------------------
..... كلها ، وأنت الضعيف الحقير ، ومن يؤويك وقد بارزته وحاربته ، فلا مفرّ لك منه إلا إليه { ففروا إلى الله إني لكم منه نذير مبين } . الذاريات/50
وكلّ من خاف من أحد هرب منه إلا الخائف من الله فإنه يهرب إليه ، فإن أنت هربت إليه عزّ وجلّ فاستمع لما رواه الصادق (ع) عن جده رسول (ص) عن الله عزّ وجلّ أنه يقول:
لا أطلع على قلب عبدٍ ، فأعلم فيه حبّ الإخلاص لطاعتي ، وابتغاء وجهي ، إلا تولّيت تقويمه وسياسته . الجواهر السنية : 133
وعن النبي (ص) عن الله عزّ وجلّ قال:
إذا علمت أن الغالب على عبدي الاشتغال بي ، نقلت شهوته في مسألتي ومناجاتي ، فإذا كان عبدي كذلك فأراد أن يسهو حلت بينه وبين أن يسهو ، أولئك أوليائي حقاً ، أولئك الأبطال حقا ً، أولئك الذين إذا أردت أن أهلك أهل الأرض بعقوبة زويتها عنهم من أجل أولئك الأبطال . البحار : 90/162
انتهى هذا الحديث الشريف ، أنظر إليه كيف اشتمل آخره على أن الله كيف يدفع العقوبة والهلكة عن أهل الأرض بوجود أولئك الأولياء ، فنفس وجودهم صدقة عن العالم ، حيث كان باعثاً على حفظهم من الهلكة.
وبالجملة فهذا العالم مرتبط بعضه ببعض ، وهو بمنزلة الشخص الواحد إذا دخل ألم في عضو من أعضائه سرى إلى الكل ، فإذا نزل ذلك الألم عن ذلك العضو فقد أراح الكل من ذلك الألم.
وورد في الحديث أن العبد إذا حمد الله شمله ذلك الدعاء من كل المصلين ، لأن المصلين يقولون: ( سمع الله لمن حمده ). الوسائل : 4/2
فانظر إلى العبد كيف ارتبط بكل المصلين في العالم ، ودخل تحت دعائهم بكلمة واحدة.
كذلك من عمل عملاً باتقان ، دخل تحت دعاء النبي صلى الله عليه وآله بقوله: رحم الله من عمل عملاً فأتقنه . كنز العمال : 9128
ولا ريب أنّ دعاء النبي (ص) مستجابٌ ، ومن أدركته الرحمة من الله نجى من الهلكة.
ومن في هذا العصر يتمنون ويشتاقون أن يكونوا في عصر النبي (ص) حتى تدركهم منه دعوة ، ويتخيلون أن هذا أمر قد فات ، ولا تدارك له ، وهو اشتباه ، فإنّ تعرضهم لدعاء النبي (ص) ووصوله إليهم ممكن في هذا العصر بأيسر وجه كالذي قلنا:
من عمل عملاً بإتقان ، فيدخل تحت دعاء النبي صلى الله عليه وآله بالرحمة.
ومن كان يصوم يوما من شعبان مثلاً ، فيدخل تحت دعاء النبي (ص) بقولـه: شعبان شـهري ، رحـم الله من أعـانني على شـهري . الوســائل : 10/492
وحاشا النبي صلى الله عليه وآله أن يحرم أهل هذا الوقت من بركات دعائه الشريف ، بل وقد وضع أدعية شريفة لأهل عناوين عامة ، فمن شاء أدخل نفسه تحت عنوان من تلك العناوين الشريفة ، فيشمله ذلك الدعاء المستجاب.
أنظر إلى نفسك يا أخي كيف عرّضك لرحمته بالدخول تحت هذه العناوين الشريفة ، التي هيأت لك لأن تدخل نفسك فيها ، وأنت بغفلتك وتغافلك تريد أن تدخل نفسك تحت عناوين خبيثة ، يتوجّه إليك كل من في العالم بالدعاء عليك.
فإنه من كدّر مؤمناً من المؤمنين كدّر رسول الله (ص) لذلك ، ثم عليا (ع) ، ثم الحسن ، ثم الحسين ، ثم الأئمة (ع) ، ثم من في العالم كلّه ، فيضجّ عليـك العالم ضجة واحـدة: كـدّرك الله كما كدّرتنا . الكافي : 1/90..
فيا أخي !.. شأنك عظيم ، وخطرك جسيم ، وأنت بين حالتين في كل أطوارك وأحوالك : إما أن تُقبل على الله ، أو تعرض عنه (3) .....
--------------------------------------------------------------------------------
(3) إنّ هذا المعنى من المعاني التي لو استوعبها العبد على حقيقته ، لأحدث تغييراً جوهرياً في حياته ، إذ أنّ النفس قد تحدّث صاحبها بالتسويف ، لكون العذاب الإلهي في الآخرة أمراً مؤجّلاً ..ولكن كيف يهمل الإعراض الإلهي المعجّل عند المعصية .. فهذا إمامنا السجاد (ع) يقول لأهله بعد أن سقط ولدها في البئر والإمام (ع) مقبلٌ على صلاته : لو ملت بوجهي عنه لمال بوجهه عني ، فمن ترين أرحم بعبده منه ؟.. ( دلائل الإمامة ص198 ) .. وهذه حقيقةٌ واضحةٌ عند الخواص وهي أنّ الإعراض الإلهي أشدّ إيلاماً للعبد من عقوبة البدن ..( المحقق )
--------------------------------------------------------------------------------
.....فإن أقبلت عليه أقبل هو عليك ، وإن أعرضت عنه أعرض عنك ، وأعرض لأعراضه عنك كل شيء ، وأنت بينهما لا تنفك عنهما.
فيا من هو على المقبلين عليه مقبل ، وبالعطف عليهم عائد متفضّل ، أرزقنا اللهم التوفيق لما يوجب دوام الإقبال عليك ، ودوام إقبالك علينا ، وحسن أدبنا بين يديك ، إنك أرحم الراحمين ، وصلى الله على محمد خير خلقه وآله الطيبين الطاهرين.
أحدهما من حيث نفسك وذاتك ، ومن حيث أنت أنت ، وإلى هذه الجهة غالب نظرك وملاحظتك ، وأنت من هذه الجهة فانٍ مضمحل زائل لا قدر لك ولا قيمة ولا اعتداد بك ، ولا مبالاة بك ولا احتفال ، بل لست شيئاً مذكوراً.
والجهة الثانية لك من حيث أنك متعلّق القدرة الإلهية ، ومظهر العظمة الربانية ، ومخلوق لهذا الخالق العظيم الشأن عزَّ وجل َّ، وبهذه الجهة صرت مرتبطاً بكل العالم من العرش إلى الثرى ، ومن السماء السابعة العليا إلى الأرض السابعة السفلى ، فضلاً عما بين المشرق والمغرب ، وجميع من في أقطار الأرض.
فإن أنت فعلت بنفسك خيراً أثّرت في جميع العالم خيراً ، وبالعكس (1) فإن أشكل عليك.....
--------------------------------------------------------------------------------
(1) هذه العبارة على إيجازها ، تكشف السرّ عن حقيقة تأثير بعض الأولياء في الأمور بإذن الله تعالى ، بما لا يمكن إنكاره لكثرة وقوعه وتواتر نقله قديماً وحديثاً .. فإنّ العبد إذا صار محبوباً لمولاه فإنّ شؤون ذلك العبد كلها محبوبة لديه ومنها إرادته للشيء ودعاؤه ، فإنّ الله تعالى - لشدة حبّه له - يجعل إرادته الربوبية مطابقة لإرادة عبده المستوجبة للإجابة لو خلى الأمر من الموانع .. ومن هنا جعل الله تعالى الإحياء - وهو من أعجب الأمور - منتسباً إلى المسيح بإذنه ، وهذه هي المعادلة التي ترفع الاستغراب عما يقع من خرق العادة في جميع الموارد التي صح فيها النقل.. ( المحقق )
--------------------------------------------------------------------------------
.....ذلك ، فإنّ لك مثالاً تحت العرش يعمل مثل ما تعمل ، فإن عملت قبيحاً ألقى الله على مثالك ستراً وغطاه ، لئلا تفتضح عند أهل العرش.
وإن عملت حسناً أظهره الله لهم وهو معنى قوله: يا من أظهر الجميل وستر القبيح على ما رواه شيخنا البهائي في مفتاحه عن الصادق (ع) أنه قال:
ما من مؤمن إلا وله مثال في العرش ، فإذا اشتغل بالركوع والسجود ونحوهما فعل مثاله مثل فعله ، فعند ذلك تراه الملائكة فيصلون ويستغفرون له ، وإذا اشتغل العبد بمعصية أرخى الله على مثاله ستراً لئلا تطلع الملائكة عليها . مفتاح الفلاح : 156
وكذلك لا شك أن أعمالك كل يوم ، وكل صباح ، وكل مساء ، تعرض على النبي صلى الله عليه وآله ، وعلى الأئمة (ع) ، خصوصا صاحب العصر - عجّل الله فرجه - ولي الأمر.
فما كان منها حسنا سرّهم ، حتى قال أحدهم: والله لرسول الله (ص) أسرّ بالحاجة يقضيها المؤمن لأخيه من صاحب الحاجة . الكافي : 2/156
ولا شكّ أنّ النبي (ص) ، وأهل بيته أقطاب العالم وأركانه ، والعالم كله رعية ، من الملائكة وغيرهم ، فمن أدخل السرور على سلطان العالم فقد أثر في الرعية كلها سروراً ، تبعاً لسرور الملك والسلطان ، فيضجّ العالم بالدعاء لهذا العبد المحسن: سرّك الله كما سررتنا.
وإن أساء أساء النبي صلى الله عليه وآله وأهل بيته ، ولذا تجف الأشجار ، وتفسد الثمار ، وتقلّ الأمطار ، وتغلى الأسعار.
وقد بان لك أيها المسكين !.. تأثير طاعتك ومعصيتك في كل العالم ، فضلاً عن خصوص الملائكة الموكلين بك ، وفضلاً عما تقدمت الإشارة إليه من تأثير الطاعة والمعصية في الأعقاب ، وفي أعقاب الأعقاب ، ومن وصول النفع لكل المؤمنين ممن مضى وممن بقي ممن يقول:
اللهم !.. اغفر للمؤمنين والمؤمنات حتى ورد: أن جميع المؤمنين والمؤمنات يشفعون لمن يقول ذلك ويقولون: هذا الذي كان يستغفر لنا . الوسائل : 4/151
ورد في الأخبار: أنّ العالم يستغفر له من في السماوات ومن في الأرض حتى الحيتان في البحار . الكافي : 1/34
وقال سبحانه: { الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا } . [ غافر/7 ] .. ولا يخفى أنّ من يكون مجتهدا مشهوراً ينتفع بتقليده من في المشرق ومن في المغرب ، كما ينتفعون بكتبه ومصنفاته ، وسائر أنواع هدايته وإرشاداته في حياته وبعد وفاته.
فإذاً قد ظهر لك سريان تأثيرك في كلّ العالم من الجهة الثانية فيك ، وكونك متعلّق القدرة الإلهية ، ومظهر العظمة ، فكيف يسوغ أيها المسكين فلتك وتغافلك ، ملتفتاً إلى الجهة الأولى التي لست بها شيئاً مذكوراً !..
ولقد صدق مولانا أمير المؤمنين (ع)حيث يقول:
دواؤك فيك ولا تبصـر ----- وداؤك منك ولا تشـعر
اتحسب انك جرم صغير----- وفيك انطوى العالم الاكبر
وانت الكتاب المبين الذي ----- بآياته يظهر المضـمر
ديوان أمير المؤمنين (ع)/175
ولئن أهملت نفسك فما ربك بمهمل لك ، قال الله تعالى :
{ أيحسب الإنسان أن يترك سدى } . القيامة/36
فتيقّظ أيها الغافل !.. والحظْ الجهة الثانية التي صرت بها إنسانا ً، وكذلك سمّاك ربك ، فإن كنت ترى نفسك من أهل الشقاوة ، وعن السعادة نائياً ، فاعلم أيها المسكين أنّ الله يمحو ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب.
واحذر أن تكون شيطاناً في صورة إنسان ، واعلم أنك إن اخترت لنفسك ذلك فقد أضعت توجّه العناية الإلهية إليك ، وأفسدت العالم كله بفسادك ، وكدّرت قلوب الأنبياء والمرسلين ، والملائكة المقربين ، وجميع أهل السموات والأرضين ، وضجّت الأرض إلى الله من مشيك عليها ، والسماء من استظلالك بها.
وورد أن الأرض تضجّ إلى الله من بول الأغلـف أربعين صباحاً [ البحار : 101/110 ] .. وهو فعل مكروه من المكروهات فكيف بك؟..
وبالجملة يا مسكين أنت مبارز لله ، وجميع من هو ملك لله تعالى أعداء لك ، فأين تذهب عن ملكه (2) وجميع مخلوقاته تطلب الاذن منه بالانتقام منك ، فأنّى بمقاومتها....
--------------------------------------------------------------------------------
(2) إنها حقّاً لحقيقة مخيفة وهي ليست من المعاني الإنشائية التخيلية ، إذ أنّ كل ما في الوجود – ما عدا الإنسان – منقادٌ لله تعالى بطبعه ، ومن المعلوم أنّ الشاذ عن حركة الوجود في الطاعة محاربٌ لربّ العالمين ، وهو الذي له جنود السماوات والأرض ، وهل وظيفة الجند إلا امتثال أمر من هم جنودٌ مجندةٌ بين يديه ؟!.. وعليه فإنّ بقاء العاصين في أمنٍ وسلامةٍ ، إنما بتدخلٍ من الربّ الرؤوف في منع جنوده من الانتقام من أعدائه .. وما نار جهنم وإحاطتها بالكافرين إلا صورة من صور جنود الربّ ، إذ أُذن لها في الانتقام ، ومن هنا كان لسان حالها : هل من مزيد ؟!..( المحقق )
--------------------------------------------------------------------------------
..... كلها ، وأنت الضعيف الحقير ، ومن يؤويك وقد بارزته وحاربته ، فلا مفرّ لك منه إلا إليه { ففروا إلى الله إني لكم منه نذير مبين } . الذاريات/50
وكلّ من خاف من أحد هرب منه إلا الخائف من الله فإنه يهرب إليه ، فإن أنت هربت إليه عزّ وجلّ فاستمع لما رواه الصادق (ع) عن جده رسول (ص) عن الله عزّ وجلّ أنه يقول:
لا أطلع على قلب عبدٍ ، فأعلم فيه حبّ الإخلاص لطاعتي ، وابتغاء وجهي ، إلا تولّيت تقويمه وسياسته . الجواهر السنية : 133
وعن النبي (ص) عن الله عزّ وجلّ قال:
إذا علمت أن الغالب على عبدي الاشتغال بي ، نقلت شهوته في مسألتي ومناجاتي ، فإذا كان عبدي كذلك فأراد أن يسهو حلت بينه وبين أن يسهو ، أولئك أوليائي حقاً ، أولئك الأبطال حقا ً، أولئك الذين إذا أردت أن أهلك أهل الأرض بعقوبة زويتها عنهم من أجل أولئك الأبطال . البحار : 90/162
انتهى هذا الحديث الشريف ، أنظر إليه كيف اشتمل آخره على أن الله كيف يدفع العقوبة والهلكة عن أهل الأرض بوجود أولئك الأولياء ، فنفس وجودهم صدقة عن العالم ، حيث كان باعثاً على حفظهم من الهلكة.
وبالجملة فهذا العالم مرتبط بعضه ببعض ، وهو بمنزلة الشخص الواحد إذا دخل ألم في عضو من أعضائه سرى إلى الكل ، فإذا نزل ذلك الألم عن ذلك العضو فقد أراح الكل من ذلك الألم.
وورد في الحديث أن العبد إذا حمد الله شمله ذلك الدعاء من كل المصلين ، لأن المصلين يقولون: ( سمع الله لمن حمده ). الوسائل : 4/2
فانظر إلى العبد كيف ارتبط بكل المصلين في العالم ، ودخل تحت دعائهم بكلمة واحدة.
كذلك من عمل عملاً باتقان ، دخل تحت دعاء النبي صلى الله عليه وآله بقوله: رحم الله من عمل عملاً فأتقنه . كنز العمال : 9128
ولا ريب أنّ دعاء النبي (ص) مستجابٌ ، ومن أدركته الرحمة من الله نجى من الهلكة.
ومن في هذا العصر يتمنون ويشتاقون أن يكونوا في عصر النبي (ص) حتى تدركهم منه دعوة ، ويتخيلون أن هذا أمر قد فات ، ولا تدارك له ، وهو اشتباه ، فإنّ تعرضهم لدعاء النبي (ص) ووصوله إليهم ممكن في هذا العصر بأيسر وجه كالذي قلنا:
من عمل عملاً بإتقان ، فيدخل تحت دعاء النبي صلى الله عليه وآله بالرحمة.
ومن كان يصوم يوما من شعبان مثلاً ، فيدخل تحت دعاء النبي (ص) بقولـه: شعبان شـهري ، رحـم الله من أعـانني على شـهري . الوســائل : 10/492
وحاشا النبي صلى الله عليه وآله أن يحرم أهل هذا الوقت من بركات دعائه الشريف ، بل وقد وضع أدعية شريفة لأهل عناوين عامة ، فمن شاء أدخل نفسه تحت عنوان من تلك العناوين الشريفة ، فيشمله ذلك الدعاء المستجاب.
أنظر إلى نفسك يا أخي كيف عرّضك لرحمته بالدخول تحت هذه العناوين الشريفة ، التي هيأت لك لأن تدخل نفسك فيها ، وأنت بغفلتك وتغافلك تريد أن تدخل نفسك تحت عناوين خبيثة ، يتوجّه إليك كل من في العالم بالدعاء عليك.
فإنه من كدّر مؤمناً من المؤمنين كدّر رسول الله (ص) لذلك ، ثم عليا (ع) ، ثم الحسن ، ثم الحسين ، ثم الأئمة (ع) ، ثم من في العالم كلّه ، فيضجّ عليـك العالم ضجة واحـدة: كـدّرك الله كما كدّرتنا . الكافي : 1/90..
فيا أخي !.. شأنك عظيم ، وخطرك جسيم ، وأنت بين حالتين في كل أطوارك وأحوالك : إما أن تُقبل على الله ، أو تعرض عنه (3) .....
--------------------------------------------------------------------------------
(3) إنّ هذا المعنى من المعاني التي لو استوعبها العبد على حقيقته ، لأحدث تغييراً جوهرياً في حياته ، إذ أنّ النفس قد تحدّث صاحبها بالتسويف ، لكون العذاب الإلهي في الآخرة أمراً مؤجّلاً ..ولكن كيف يهمل الإعراض الإلهي المعجّل عند المعصية .. فهذا إمامنا السجاد (ع) يقول لأهله بعد أن سقط ولدها في البئر والإمام (ع) مقبلٌ على صلاته : لو ملت بوجهي عنه لمال بوجهه عني ، فمن ترين أرحم بعبده منه ؟.. ( دلائل الإمامة ص198 ) .. وهذه حقيقةٌ واضحةٌ عند الخواص وهي أنّ الإعراض الإلهي أشدّ إيلاماً للعبد من عقوبة البدن ..( المحقق )
--------------------------------------------------------------------------------
.....فإن أقبلت عليه أقبل هو عليك ، وإن أعرضت عنه أعرض عنك ، وأعرض لأعراضه عنك كل شيء ، وأنت بينهما لا تنفك عنهما.
فيا من هو على المقبلين عليه مقبل ، وبالعطف عليهم عائد متفضّل ، أرزقنا اللهم التوفيق لما يوجب دوام الإقبال عليك ، ودوام إقبالك علينا ، وحسن أدبنا بين يديك ، إنك أرحم الراحمين ، وصلى الله على محمد خير خلقه وآله الطيبين الطاهرين.
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى